الطفلة الأفغانية – عيون الحرب – برنامج: حكاية صورة مع حسام بنصر

برنامج: حكاية صورة مع حسام بنصر
كل صورة، تبدأ بلحظة…
لحظة فيها ضو، صامت، ونظرة.
أما بعض الصور؟
ما تنتهيش وقت العدسة تتسكّر بعد مخذات الضوء.
الصور تعيش معانا،
تدخل في الذاكرة،
وتشدّنا من العين، من بين ملايين الصور،
ثمّة تصويره وحدة…
صامتة، جامدة،
أما صوتها أقوى من ألف صورة.
الطفلة الأفغانية…
وجه ما يتنساش،
عينين خضرا… أما موش كيما خضار العينين اللي نحبونشوفهم احنا.
خضرة تشعل بالخوف، بالحرب، وبكلام ما تقالش.
توا، نحلّو باب الصورة…
وندخلو لعالمها،
موش باش نحكيو على الفوتوغرافيا برك،
أما على الإنسانة…
واللي قاعدة ساكتا ورا الصورة.
عام 1985 في مخيّم نصير باغ في باكستان،
تصويرة وحدة لستيف ماكّاري هزّت العالم
وخلّاتو يتفرّج في وجه الحرب لأول مرّة.
ستيف ماكّاري صوّر طفلة هاربة من الاحتلال السوفياتي،
أما يعرفوش اسمها، ما يعرفوش عمرها..
معندوش فكرة على كينونتها.
أما الصورة خرجت في غلاف ناسيونل جوغرافيك،
والناس الكل قالت:
“شكون هاذي؟”
“وينها؟”
“شنوّة ألي صارلها بش نشفوا هل وجيعة؟”
الصورة تحوّلت لرمز؛
أما السنبلة ضاعت في كومة النسيان.
علاش؟ أتوا نقلكم علاش.
بعد 17 سنة، في 2002،
رجع ماكّاري ومعاه ناشيونال جيوغرافيك يلوجو على طفلة.
وما ثماش إنترنات، وما ثماش جبس،
برشة وقت ضاع، وبرشة وجوه تشابهت،
أما في الآخر لقاوها.
في قرية نائية فقيرة في شرق أفغانستان،
أما مليانة صور.
كانت ساكنة في بيت طين،
حافّيانة، ساكتة، ومغبرة.
سألوها وقالو: « هاذي صورتك؟ هاذي انتي؟ »
سكتت،
وغرقت في الصورة…
غرقت في 17 سنة ضلم.
قالت: « إي، هاذي أنا. »
اسمها: شاربات غولا.
عرست وهي طفلة، ونعرفو شنوا معناها كلمة طفل.
عاشت الحرب، الجوع، الموت،
ومات راجلها، وماتت طفلة من صغارها
وهيا في سن طفولة.
الصورة عاشت في المتاحف،
والضوء والبهرج والفن،
أما هيا عاشت في الصمت والوجيعة.
آلاف الدولارات دخلت للمجلات،
وسمعة المصوّر كبرت في العالم.
أما شاربات؟
ما خذات شي.
حتى بعد ما عرفوها، ما تبدّل شي في حياتها.
بالعكس، في 2016، طردوها من باكستان بتهمة “وثائق مزوّرة”.
أيه؟
هي اللاجئة، وهي الضحية؟
وهما اللي يختارو كيفاش ترجع لبلادها ولا لا؟
الصورة كانت جميلة،
أما الحكاية… قبيحة.
ماكّاري قالها: “صورتك بدّلت العالم”.
أما الحقيقة؟
هي بدّلت مصير الصورة،
وصورة ما بدّلتش مصير شاربات ولا حياتها.
هاذي مش حكاية فنّ،
هاذي حكاية مسؤولية.
وقتلي تصوّر إنسان في الوجيعة،
راهو واجبك ما ينتهيش بكليك متع كاميرا،
و بوست في لفسبوك ولا مجلة معروفة.
الصورة تنجم تغيّر الرأي العام،
أما لازمها تغيّر حياة الشخص اللي فيها قبل كل شيء.
هل ستيف ماكّاري مَدين للطفلة الأفغانية؟
أي نعم، هو مدينلها أخلاقيًا وإنسانيًا.
صورة شاربات غولا عملت شهرة عالمية،
دخلت مليارات للمجلات،
ودخّلت اسم ستيف في كل متحف وكل أرشيف.
لكن هي؟
ما كانت تعرف لا كاميرا، لا مجلة، لا أعلام موجه.
العالم يتفرج فيها كرمز للحرب
وهي تعاني منو في الصمت.
المصورة خذات وجهها،
أما ما سألتهاش على رأيها، وما أعطتهاش أمان.
هل شاربات مدينة ليه؟
لا.
ماهيش مدينة لحد.
ما طلبتش التصويرة، وما كانتش لعبة في حملة توعية.
هذي حياتها،
دموعها، عينيها، عمرها…
والتصويرة خذات كل شي، وخلّات الباقي للخراب.
هل 17 سنة قهر يمكن يعوضهم حساب بنكي؟
مستحيل.
سبعطش سنة في الظل،
من لاجئة لطفلة مُستَغلّة،
منسيّة من الإعلام، منسيّة من العالم،
عايشة بلا دولة، بلا حماية، بلا كرامة.
حتى لو عطاوها فلوس،
الزمن ما يرجعش.
الحرب اللي دخلت في جلدها،
ما يداويها لا شيك، لا اعتذار، لا لرصد بنكي.
هل اليوم ستيف ماكّاري صوّر كما يلزم؟
صعيب نحكم،
أما الي نعرفوه إنّو برشا أسئلة أخلاقية تبدلت بعد قصة « الطفلة الأفغانية ».
صارت دروس:
إنك ما تنجمش تقتطع لحظة من حياة إنسان وتخلّيها سلعة.
والصورة ما تعني شي إذا ما كانتش تحمي اللي تصوّرو.
ستيف ماكّاري اليوم ما عادش ينجم يصوّر بنفس الطريقة،
والعالم ولا يسائل أكثر:
مش على جمال الصورة،
بل على ثمنها.
رسالتي:
الصورة وثيقة،
لكن إذا ما كانتش عادلة، تولّي خيانة.
أنا حسام بنصر،
وهاذي كانت “حكاية صورة”
ألي عيشتنى ما وراء الصورة.